بحث
بحث متقدم

عبد الرحمن الكواكبي يخاطب قومه


 

 

 

يا قوم: ينازعني والله شعور، هل موقفي في جمعٍ حيّ فأحييه بالسلام، أم أنا أخاطب أهل القبور، فأحيِّيهم بالرحمة؟ يا قوم لستم أحياء عاملين، ولا أموت مستريحين، بل أنتم بين بين في برزخٍ يسمَّى السبت، ويصح تشبيهه بالنوم.
 

 

 

يا ربَّاه! إني أرى أشباح أناس يشبهون ذوي الحياة، وهم في الحقيقة موتى لا يشعرون بل هم موتى لأنهم لا يشعرون.
 

 

 

يا قوم: هداكم الله، إلى متى هذا الشقاء المديد والناس في نعيمٍ مقيمٍ وعزٍّ كريمٍ.. أفلا تنظرون؟
 

 

 

يا قوم وقاكم الله من الشر أنتم بعيدون عن مفاخر الإبداع، وشرف القدوة، مبتلون بداء التقليد والتبعية في كل فكرٍ وعمل، وبداء الحِرص على كل عتيق، كأنَّكم خُلقتم للماضي لا للحاضر:
 

 

 

تشكون حاضركم وتسخطون عليه، وإن حاضركم نتيجة ماضيكم؟ ومع ذلك أراكم تقلدون أجدادكم في الوساوس والخرافات والأمور السفالات فقط ، ولا تقلدونهم في محامدهم..
 

 

 

أين الدين؟ أين التربية؟
 

 

 

أين الإحساس؟ أين الغيرة؟
 

 

 

أين الشباب؟ أين الرابطة؟
 

 

 

أين الجسارة؟ أين المنعة؟
 

 

 

أين الشهامة؟ أين النخوة؟
 

 

 

أين الفضيلة؟ أين المساواة؟
 

 

 

هل تسمعون؟ أم أنتم صمّ  لاهون؟
 

 

 

 

 

 

يا قوم: عافاكم الله إلى متى هذا النوم؟ وإلى متى هذا التقلب على فراش البؤس ووسادة اليأس؟ أنتم مفتَّحة عيونكم ولكنكم نيام، أبصار ولكنكم لا تنظرون، وهكذا:
 

 

 

( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )
 

 

 

ياقوم: حماكم الله، قد جاءكم المستعمرون [المستخربون] من كل حدبٍ ينسلون، فإن وجدوكم أيقاظاً عاملوكم كما يتعامل الجيران ويعامل الأقران، وإن وجودكم رقوداً لا تشعرون، سلبوا أموالكم وزاحوكم عن أرضكم واتخذوكم أنعاماً، وعندئذ لو أردتم حراكاً لا تقوون، بل تجدون القيود مشدودة لا نجاة ولا مخرج.
 

 

 

يا قوم: هوَّن الله صعبكم ، تشكون من الجهل، ولا تنفقون على التعليم نصف ما تصرفون على التدخين، تشكون من الحكام وهم اليوم منكم، فلا تسعون في إصلاحهم، تشكون الفقر ولا سبب له غير الكسل.